رضوان جخا : مسار إستكمال تفعيل طابع الأمازيغية بين المكتسبات والتطلعات :

إِنّ ورش تنزيل الطابع الرسمي للغة والثقافة الأمازيغية يُشكل ورشا إستراتيجيا يحْظى بإشراف ملكي، فمنذ تولي جلالة للعرش صيف سنة 1999، بعدها بسنة ونصف تقريبا في خطاب تاريخي من أجدير في السابع عشر من شهر أكتوبر من سنة 2001، أكد عبر جلالة الملك على أنّ” الأمازيغية التي تمت جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي هي مِلك لكلّ المغاربة بدون استثناء” ، كما أكد جلالة الملك على أنّ الأمازيغية هي مكون أساسي للثقافة الوطنية، وبالتالي فالنهوض بها مسؤولية وطنية، لذلك يشكل هذا الخطاب التاريخي إعلانا عن خارطة طريق لمأسسة ودسترة اللغة الأمازيغية ، بدءً بتأسيس المعهد الملكي للغة والثقافة الأمازيغية في نفس السنة، مرورا بترسيم اللغة. الأمازيغية في دستور 2011، وبالتحديد الفصل الخامس الذي ينص على أنّ اللغة العربية واللغة الأمازيغية لغتان رسميتان للمملكة المغربية ، وصولا لشتنبر 2019 سنة وضع القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في مختلف مجالات الحياة العامة، ليختَتِمها القرار التاريخي لجلالة الملك حفظه الله بإعلان إيض يناير عطلة رسمية وطنية مُؤدى عنها.

إنّ أيّ مُتتبّع للشأن الأمازيغي سيُلاحِظ تأخر في التنزيل خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين سواء عبر وضع القانون التنظيمي السالف الذكر (8 سنوات بعد دستور 2011)، أو في مسار تنزيل بنوده، مقابل ذلك وبكل موضوعية وجب التنويه بما تحقق خلال هذه الولاية الحكومية الحالية سواء عبر تخصيص مستشارين خاصين بموضوع اللغة والثقافة الأمازيغية ،مرورا بإحداث صندوق خاص الأمازيغية خُصّص له مجهود مالي وصل لِ 200 مليون درهم سنة 2022، و 300 مليون درهم خلال سنتي 2023 و 2024، وصولا كما قال رئيس الحكومة إلى مليار درهم في أفق هذه السنة ،بالتأكيد هناك مجهود مالي لكن مستوى التطلعات والإنتظارات يستدعي الرفع منه مستقبلا، كما أن هناك العديد من الفعاليات المهتمة بالشأن الأمازيغي تؤكد على ضرورة حصرية القضية الأمازيغية في تدبير هذا الصندوق لأنه لوحظ تداخل في تدبيره مع قضايا الإنتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.

إنّ من الإنتظارات والتطلعات المهمة هي استكمال مسار تعميم حرف تيفيناغ في مجال التعليم الذي انطلق في السلك الإبتدائي منذ الموسم الدراسي 2003/2004، القانون التنظيمي 26.16 يتحدث عن تدريس الأمازيغية في أجل خمس سنوات، على أساس تعميمها في ظرف عشر سنوات، ما يعني طموح التعميم في أُفق سنة 2030، بالطّبع هناك مجهود كبير يُبذَل لكن مازال هناك تحدي تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، ذلك مرتبط بقلة الموارد البشرية بالأساس، هناك كذلك تحدّي تنزيل حرف تيفيناغ في المنهاج الخاص بالسّلك الإعدادي.

أمّا في مجال التوجيه والتّواصل فقد قامت وزارة الإنتقال الرقمي وإصلاح الإدارة بتوظيف 1684 عونا مكلفين بالإستقبال والتوجيه لفائدة 19 قطاعا وزاريّا مكلفين بتأطير وتوجيه المُرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية، لكن هذا العدد يبقى غير كافيا مع انتظارات الرفع منه بوتيرة مضاعفة مستقبلا وخلال كل سنة، كما أنّ العديد من فعاليات الشأن الأمازيغي تؤكد على ضرورة ترسيم هؤلاء الأعوان عوض نظام العقود المُبرمة معهم حاليا.

إنّ الجهات والجماعات الترابية الأخرى كما نص على ذلك الباب التاسع من الدستور تعتبر شريكا مؤسساتيا للدولة في الأوراش التنموية المُندمجة، لكن في مجال المساهمة في تفعيل طابع الأمازيغية تبقى مشاركة ضعيفة، وفي هذا السياق ستقوم وزارة الإنتقال الرقمي بتجربة نموذجية خاصة بأربعين جماعة ترابية على أساس تعميمها على باقي الجماعات الترابية قصد إشراك الجماعات الترابية في تنزيل هذا الورش، خصوصا مجالس الجهات التي بوّأتها الوثيقة الدستورية مكانة الصدارة في التنمية المندمجة، وبالتالي وجب استثمارها كذلك في مجال تنزيل القانون التنظيمي رقم 26.16.

أمّا في المجال السمعي _البَصري فقد تحققت طفرة نوعية مهمّة جدا مع إطلاق قناة الثامنة تمزيغت سنة 2010،والتي ساهمت ومازالت تُساهم رفقة الإذاعة الأمازيغية بشكل كبير في التعريف بمُقومات اللغة والثقافة الأمازيغية الغنية والضّاربة في جُذور التّاريخ، أما في مايتعلق المواقع الإلكترونية الرّسمية للإدرات العمومية فقد أَطلَقت وزارة الإنتقال الرقمي دراسة تقييميّة لمستوى لإدماج اللغة الأمازيغية بالمواقع الرسمية لِ 158 إدارة عمومية، قصد تشخيصها وتقييمها، ومن خلالها وضع خارطة طريق جديدة تكون أكثر نجاعة وسرعة في مسار إدماج اللغة الأمازيغية عبر الرّقْمَنة الإدارية.

ختاما ، نثمّنُ المجهودات المبذولة من طرف السلطات الحكومية لمواكبة طموح جلالة الملك محمد السادس حفظه الله للنهوض والإرتقاء بورش اللغة والثقافة الأمازيغيتين، سواء عبر خارطة الطريق الحكومية من خلال 25 إجراءً، وصندوق خاص بالأمازيغية، لكن مع كل ذلك هناك انتظارات وتطلّعات كبيرة تَحُثّ على التّسريع من وتيرة تنزيل بنود القانون التنظيمي رقم 26.16 خصوصا في المجالات ذات الطابع الإستراتيجي على غرار التّعليم، العدل، الإدارة ،الثقافة والسمعي البصري…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى